شدّد المساعد السّابق لوزير الخارجيّة الأميركيّة لشؤون الشّرق الأدنى ديفيد شينكر، على أنّ "الحرب في غزة مأساة إنسانيّة، ومعاناة كبرى للفلسطينيّين والإسرائيليّين على حدّ سواء، وأنّ الإسرائيليّين ملتزمون القضاء على حركة "حماس" وكذلك بالذّهاب نحو معركة رفح"، مشيرًا إلى "أنّني لست متأكّدًا إن كانت لديهم خطّة منطقيّة وعمليّة للمضي قدمًا بالحملة هناك، والأهمّ خطّة من شأنها أن تضمن سلامة مليون ونصف المليون شخص يعيشون في رفح".
وأشار، في حديث مع "إندبندنت عربيّة"، إلى "أنّنا نرى اليوم خلافات بين أميركا وإسرائيل حول كيفيّة المضي بهذه الحملة، إنّما أمر وحيد ومؤكّد تتّفق عليه تل أبيب وواشنطن، هو أنّ حركة "حماس" لا يمكنها أن تستمرّ في حكم غزة بعد انتهاء الحرب هناك. لا أدري كيف سيتحقّق هذا، وهو صعب جدًّا في الوقت الحالي".
وعمّا إذا كانت إسرائيل قد تخطّت الخطوط الحمراء، وتحديدًا الخطوط الأميركيّة الحمراء، لفت شينكر إلى "أنّني لا أعلم إن كانت هناك خطوط حمراء تمّ وضعها، بقدر ما هناك مطالبات لإسرائيل بأن تلتزم قوانين الحروب والنّزاعات، وهناك انتقادات عدّة لإسرائيل أخيرًا، بسبب استهدافها العاملين في المجال الإنساني، وكذلك في جوانب عدّة من هذه الحرب، لكن لا أعتقد أنّ الإدارة الأميركية وضعت ما يحصل هنا ضمن الخطوط الحمراء".
وأعرب عن اعتقاده أنّ "إسرائيل لن تمضي بحملتها على رفح، قبل أن تتوصّل إلى تسوية مع إدارة الرّئيس الأميركي جو بايدن، أو تفاهم حول كيفيّة القيام بهذه الحملة. في البداية قال كثر في الإدارة الأميركيّة وعلى رأسهم نائبة الرّئيس كامالا هاريس لا للحملة على رفح من أيّ نوع كانت، إنّما لاحقًا وافقوا، لكنّهم يطالبون بتفسير كيف ستتمّ هذه الحملة من دون أن تقع كارثة بشريّة؛ وما زلت أعتقد أنّ إدارة بايدن غير راضية عن هذه الحملة".
وعن مستقبل الحرب في غزة وكيف سيكون القطاع في اليوم التّالي للحرب، ذكر أنّ "استطلاعات الرّأي الأخيرة تشير إلى أنّ 70 في المئة من الفلسطينيّين يؤيّدون عمليّة السّابع من تشرين الأوّل الماضي، وسط تأييد كبير لحركة "حماس" في القطاع وفي الضفة الغربية، لكن مستقبل القطاع يتوقّف ليس فقط عند كيف ستنتهي هذه الحرب، إنّما ما إذا كانت السّلطة الفلسطينيّة أي "فتح" ستتطوّر وتتغيّر".
واعتبر شينكر أنّ "إيران لعبت دورًا مساندًا ومساعدًا في التّحضير لأحداث السّابع من تشرين الأوّل، عبر إمداد الحركة بكلّ المواد اللّازمة من أسلحة ومعدّات وتدريب، ناهيك بمساعدتهم تقنيًّا وفنيًّا في الهجوم"، مبيّنًا أنّ "من دواعي سرور إيران أن تقاتل إسرائيل وأميركا حتّى آخر عربي، من دون أن تبدي اهتمامًا حقيقيًّا بالقضية الفلسطينية".
كما ركّز على أنّ "هذا أحد أهمّ أسباب عدم دفعهم "حزب الله" في هذه المعركة بصورة جدّيّة... لماذا "حزب الله" لم يذهب بصورة جدّيّة في حرب غزة؟ لأنّه موجود لخدمة طهران، وللعمل كرادع وكحماية لها ضدّ أيّ ضربة إسرائيليّة للنّظام الإيراني".
وعن تطوّر الأمور بانتقال الحرب إلى دول عربيّة أخرى في الشّرق الأوسط، رأى أنّه "إذا أراد "حزب الله" وخلفه إيران الذّهاب إلى هذه الحرب، لكان فعل هذا في الثّامن أو التّاسع من تشرين الأوّل الماضي أو حتّى يوم السّابع من تشرين، لكن من الواضح أنّ طهران تريد المحافظة على هذه الأداة لحماية نفسها. لا يريدون تبديدها ولا يريدون انتظار خمس أو ستّ سنوات لإعادة بناء وتسليح الحزب كما حدث بعد حرب تموز عام 2006".
وأشار المسؤول الأميركي، إلى "أنّنا إن عدنا بالزمن لعام 2006، كان "حزب الله" حينها يمتلك كثيرًا من القدرات، من ضمنها 150 ألف صاروخ وقذيفة، فيما تكبّدت البلاد خسائر كبيرة بعد الحرب حينها بلغت 6 مليارات دولار. واليوم في خضمّ الأزمة الماليّة القائمة، يفضّل أغلبيّة اللّبنانيّين ألّا تكون هناك حرب مع إسرائيل".
واعتبر أنّ "هذه الحرب إن حصلت ستكون فوضويّة ومكلفة بالنّسبة إلى إسرائيل، وستكون حربًا مدمّرة للجانبين"، معربًا عن اعتقاده أنّ "حزب الله" لا يريد الذّهاب نحو حرب كبيرة مع إسرائيل".
وتحدّث عن "مخطّط لـ"حزب الله" بعد السّابع من تشرين الأوّل الماضي، كان يقضي بأن تنتشر قوّة الرضوان كلّها على الحدود، وأن تهاجم خلف خطوط الإسرائيليّين في أراضيهم، وأن تحتجز رهائن وتحدث فوضى، وفي الوقت نفسه يستخدم الحزب صواريخه الاستراتيجيّة والتّكتيكيّة لاستهداف المنشآت والمواقع الاستراتيجيّة الإسرائيليّة. لكن تل أبيب لديها الآن 70 ألف جندي على الحدود، لذا فخطّة الحرب الّتي وضعها الحزب لم تعد فعّالة".
وتابع: "على رغم الفشل الاستخباراتي الكبير لإسرائيل في السّابع من تشرين، فإنّنا رأينا في الأشهر الماضية عمليّات استهداف لقيادات "حزب الله" ومستودعات أسلحته، فقد جمع الإسرائيليّون مجموعة أهداف متقدّمة وعميقة، وهم يظهرون، كما أعتقد، قدرًا كبيرًا من المعلومات الاستخباراتيّة العملياتيّة الّتي من الواضح أن إسرائيل لم تكن تمتلكها في عام 2006. أعتقد أنّهم استفادوا جيّدًا من الوقت".
إلى ذلك، أوضح شينكر أنّ "إسرائيل تغتنم الفرصة في هذه الأثناء وتقتل قيادات إيرانيّة، ومنها من ساعد "حماس" في التّحضير لهجوم السّابع من تشرين الأوّل 2023، فيما في المقابل هناك رغبة بالانتقام من إسرائيل أو ربّما من الولايات المتحدة الأميركية عبر مسيّرات أو صواريخ... لكن هذا لم يحدث بعد".
أمّا عن الضّربة الإسرائيليّة الّتي استهدفت القنصليّة الإيرانيّة لدى سوريا، ومن ثمّ الرّدّ الإيراني بضرب مواقع في إسرائيل، فلفت إلى أنّ "الإسرائيليّين طاردوا هذه الأهداف السّانحة في دمشق، لأنّه لا توجد حصانة لأفراد الحرس الثوري الإيراني في سوريا، فقط لأنّهم في سوريا. وإذا كانوا متورّطين في تنظيم هجمات على إسرائيل أو هجمات على الولايات المتّحدة، فهذه لعبة عادلة"، مبيّنًا أنّ "الأحداث انتهت بما حدث حتّى الآن، لكنّني لا أعتقد أنّ الإيرانيّين يريدون تصعيدًا هائلًا أو الذّهاب إلى حرب واسعة النّطاق".
ورأى أنّه "لا يزال هناك مستوى عال من عمليّات "داعش" في سوريا، أكثر ممّا يحدث في العراق حيث تراجعت، وبغياب أميركا والتحالف الدولي مع "قوات سوريا الديمقراطية" سيكون من الصّعب احتواء "داعش" إلى حدّ كبير"، مشدّدًا على أنّ "النظام السوري لم يحارب أبدًا تنظيم "داعش"، بل على العكس أطلق سراح كلّ الإسلاميّين في بداية الحرب ولم يستهدف أبدًا "داعش".